تزايد تجسس أرباب العمل على الموظفين قد يأتي بنتائج عكسية

-

بقلم كريستوفر ميم

الكاتب بصحيفة وول ستريت جورنال

لمواجهة تقاعس الموظفين في العمل والعقبات الأخرى التي تعيق الإنتاج، تتجه الشركات بشكل متزايد إلى مجموعة من الأدوات المتطورة لمراقبة وتحليل كيفية أداء الموظفين لوظائفهم. لكن ما يقلق أرباب العمل في أمريكا هو ان هذه التقنيات يمكن أن تفشل في الوفاء بوعودها، بل قد تأتي بنتائج عكسية.

لم تمنع الأدلة غير المكتملة على فعالية تكنولوجيا مراقبة مكان العمل من اعتمادها من قبل العديد من الشركات الأمريكية على مدار العامين ونصف الماضيين. منذ بداية الوباء، تبنت واحدة من كل ثلاث شركات أمريكية متوسطة إلى كبيرة نوعًا من برنامج مراقبة العمال كما يقول بريان كروب، نائب رئيس أبحاث الموارد البشرية لدى “غارتنر”. في حين أن هناك مجال واسع لكيفية عمل هذه البرامج والبيانات التي تجمعها، فإن العديد منها يتضمن مراقبة مستمرة لكل ما يفعله الموظفون تقريبًا على أجهزتهم.

انها وتيرة تبني نادرة في تاريخ التكنولوجيا – حتى في أشد وقت احتضانه من قبل الأمريكيين، لم ينتشر الهاتف الذكي بسرعة مماثاة. هذا التحول التكنولوجي مزعج بشكل خاص للموظفين في المكاتب الذين يميلون إلى الحصول على مساحة أكبر في ممارسات عملهم منه للعمال الذين يضطرون إلى الإلتزام بساعات العمل.

من خلال تغيير طبيعة العمل، من يقوم به، وما يمكن أن تتوقعه الشركات من الموظفين، فإن هذا التحول يعكس اختلالاً عميقاً في القدرة بين الموظف ورب العمل، كما يقول أولئك الذين يراقبون هذا الواقع الجديد، وحتى البعض داخل الصناعة الذين قاموا بخلقه.

التعويل على المراقبة داخل المكاتب

بموجب القانون، فإن البيانات التي يمكن لأصحاب العمل جمعها عن الموظفين واسعة للغاية. يتوفر برنامج يمكنه التقاط صورة عن شاشة كمبيوتر الموظف كل 10 دقائق، مع تسجيل التطبيقات والمواقع التي زارها والمدة التي مكث فيها. أطلق منتقدو هذا النوع من المراقبة على هذه الأنظمة اسم “برامج أرباب العمل” ويسخرون منها باعتبارها شكلاً جديدًا من الإدارة على النطاق الضيّق تؤدي إلى تآكل الروح المعنوية، مثل جعل مديرك يراقبك على مدار الساعة.

يتطلب جمع هذا القدر الكبير من البيانات حول ما يفعله الموظفون طوال اليوم ما يسمى بالأنظمة “القائمة على الوكيل”، حيث يتم تثبيت جزء من البرنامج على جهاز تمنحه الشركة. يمكن أن تتمتع هذه البرامج بإمكانية الوصول الكامل إلى كل ما يحدث على جهاز الكمبيوتر، الجهاز اللوحي، أو الهاتف. (انها، وليس عرضًا، الطريقة التي تلتقط بها أكثر برامج التجسس تعقيدًا التي تستخدمها الدول، البيانات من الأجهزة المسهدفة) ومن أمثلة هذا النوع من البرامج “اكتيفتراك” و”تيرامايند”.

يقول إسحاق كوهين، نائب رئيس البحث والتطوير في شركة “تيرامايند”: “من الناحية الواقعية، لا تجد الغالبية العظمى من العملاء الحاجة إلى مراقبة كاملة لجميع المستخدمين طوال الوقت. تم تصميم برنامج الشركة لتسجيل سلوك المستخدم أو الإبلاغ عنه تلقائيًا إذا قام بشيء غير مرغوب فيه، مثل إرسال أسرار الشركة عبر البريد الإلكتروني إلى منافس، أو قضاء وقته على فايسبوك. لكن الأمر متروك تمامًا لأصحاب العمل حول كيفية استخدام البرنامج، وما هي القواعد التي يجب وضعها. لسوء الحظ، ونظرًا لطبيعة “تيرامايند”، يمكن إساءة استخدام البرنامج إذا وقع في الأيدي الخطأ”.

تذكر “اكتيفتراك” على موقعها الإلكتروني إنها “تطورت من أداة لمراقبة الموظف إلى منصة إنتاجية قوية مدركة للخصوصية”. هذا يعني أن برنامجها يتضمن الآن عناصر تحكّم في الخصوصية وبيانات مجمّعة مجهولة المصدر، كما تقول متحدثة باسم الشركة. على عكس البرامج المماثلة، لا تدعم “اكتيفتراك” تسجيل ضربات المفاتيح، الوصول إلى الكاميرا، تسجيل الفيديو، او قراءة البريد الإلكتروني وعده.

يمكن أن تعرض لوحة معلومات “برودوسكور” نشاط الموظف طوال يوم العمل، حتى عندما يستخدم تطبيقات وخدمات مثل “جي مايل” و”لنكد إن”، وعندما يرسل رسائل. تضع الشركة من هذه البيانات وغيرها درجة مركبة لإنتاجية الموظف.

من ناحية أخرى، تتوفّر برامج مألوفة أكثر لموظفي المكاتب، مثل “غوغل وورك سبايس” و”مايكروسوفت 365″ التي تقوم بجمع البيانات، ولكنها تحدد عمدًا مقدارها ونوعها. كلا النظامين يمنح كبار المسؤولين في المؤسسات امتياز معرفة التطبيقات التي يستخدمها الموظف، وعدد المرات، ولكن قد تحجب هوية الموظف وتقدم البيانات فقط على مدى أسابيع، وليس أيامًا أو ساعات. بالنسبة لبعض الخدمات، يمكن استخراج بيانات أكثر تفصيلاً، كالبريد الإلكتروني والرسائل التي يتم إرسالها، عددها، ومتى يتم إرسالها. ومع ذلك، ما يجدر ذكره هو أن هذه الأنظمة غير قادرة على التتبع الشامل الذي تقوم به الأنظمة القائمة على الوكيل، إذ لا يمكنها تتبع كل ضغطة مفتاح، أو أخذ لقطات لشاشة الجهاز، على سبيل المثال.

بذلت “مايكروسوفت” جهدًا لجعل البيانات على مستوى الموظفين والنشاط داخل تطبيقاتها أمرًا صعب الوصول إليه حتى بالنسبة لمسؤولي تكنولوجيا المعلومات، كما يقول متحدث باسم الشركة. ويضيف أن “مايكروسوفت” لا تعتقد أن النشاط هو شيء مماثل للإنتاجية، ويجب أن تكون المؤسسات حذرة بشأن التتبع الخاطئ للموظف من أجل تقييم أدائه.

تأخذ شركات مثل “برودسكور” البيانات التي تجمعها تطبيقات الأعمال الشائعة وتحللها بطرق لا يفعلها صانعو هذه التطبيقات عمومًا. يقول دايفد بويل، رئيس “برودسكور”، إن لب موضوع  مراقبة الموظفين هو: “يتم جمع كل البيانات التي يستخدمها “برودسكور” بالفعل بواسطة مجموعات البرامج المستندة إلى السحابة التي تستخدمها الشركات، وهي متاحة من خلال واجهات برمجة التطبيقات، والتي هي نقاط اتصال للبرامج”.

حتى مع هذه البيانات المحدودة، يمكن لـ “برودسكور” أن تمنح المدراء تقريراً مفصلاً لما يستخدمه الموظف من خدمات متصلة بـ “برودسكور”، متى، وسواء تم ذلك من المكتب أو خارجه. كما يمكن لبرمجيات الشركة رسم مخطط إنتاجية ذلك الموظف عبر الوقت، وإختصاره في درجة واحدة، يشبهه باول بتقرير الائتمان، ولكن مخصص للعمل. في حين أن الهدف من الخدمة هو مساعدة أرباب العمل على التعرف على الجهود الاستثنائية التي يبذلها بعض الموظفين، وتدريب الآخرين الذين قد تكون إنتاجيتهم أقل من المتوسط، يمكن إساءة استخدام هذا المستوى من البيانات، إذا كان المدير يعتمد عليه بشكل مفرط.

يقول السيد باول: “الأمر بالنسبة لنا كالسلاح، يمكن استخدامه للخير أو للشر”.

جدل حاد حول الفائدة

لكي يتم تبني تقنية معقدة نسبيًا، مع إحتمال أن تكون شديدة التطفل، من قبل العديد من مدراء الشركات، قد يدفعك للإعتقاد أنها تفي بوعودها. ولكن لا يوجد بحث مستقل مراجع من قبل الأقران يُظهر أنها كذلك، كما يقول أنطونيو ألويزي وفاليريو دي ستيفانو، الأستاذان الجامعيان اللذان قاما مؤخرًا ببحث حول هذا الموضوع لصالح كتابهما “رئيسك هو خوارزمية”، حول ظاهرة تنامي الإدارة بواسطة البرنامج.

يقول الدكتور الويسي، المقيم في مدريد، انه لا توجد بالتأكيد دراسة تشير إلى أن هذا الأمر يزيد الإنتاجية بأي طريقة ذات مغزى.

بن وايبر، رئيس “هيومانايز”، وهي شركة تستخدم البيانات لتقييم الصحة التنظيمية على مدى فترات طويلة من الزمن، دون السماح للمدراء بتتبع الموظفين الفرديين، يقول إن البرامج التي تركز على تحديد أمور مثل وقت جلوس الموظف على مكتبه، وعدد رسائل البريد الإلكتروني التي يرسلها كل يوم، يجب أن يُنظر إليها بتشكيك شديد. ويضيف السيد وايبر: “لا يوجد بحث يظهر أن هذه الأنواع من الأشياء له أي علاقة بالنتيجة التي يسعى لها أرباب العمل”.

يقول ادريان ريس، عالم البيانات الرئيسي في “برودوسكور”، إن الدراسات الأكاديمية حول أدوات مراقبة الإنتاجية تنقسم إلى معسكرين. الأول يجد أن مثل هذه الأدوات تزيد من المساءلة في العمل ويمكن أن تساعد الناس على تحديد وتتبع تقدمهم نحو الأهداف. بينما يقول الآخر أن هذه الأدوات مشكوك فيها أخلاقياً، غير عادلة، وتؤدي إلى ضعف الشعور بالمسؤولية، مما قد يقلل من الإنتاجية.

يقول الدكتور دي ستيفانو إن البرامج التي تتعقب ببساطة ما إذا كان الموظفون متصلين أم في مكاتبهم وغير متصلين، يمكن أن تسبب ضغوطًا متزايدة عليهم، وفقًا لعدد من الدراسات.

على سبيل المثال، وجدت دراسة استقصائية أجريت عام 2020 شملت 2100 موظف يعملون في مراكز اتصال في سبع شركات، أن المراقبة المكثفة للمستخدمين، بما في ذلك تسجيل ضربات المفاتيح وتتبع النشاط عبر الإنترنت، ادّت الى زيادة التوتر، انخفاض الرضا الوظيفي، وإزدياد التغيب والرغبة في ترك العمل.

في دراسة أجريت عام 2020 على أكثر من 2000 من أعضائه، وجد مجلس النقابات العمالية في المملكة المتحدة أن 56% قالوا إن إدخال برامج جديدة لمراقبة الموظفين قد أضر بالثقة بينهم وبين أرباب العمل.

ويضيف الدكتور دي ستيفانو أن هناك أيضًا أدلة على أن إدخال هذه البرامج يمكن أن يشجع المستخدمين على التلاعب بها بأنفسهم، بدلاً من القيام بوظائفهم الفعلية.

ثمن العمل من المنزل

في بعض النواحي، يحدث أن الشركات تجري تجربة بحثية عملاقة على موظفيها دون أن تكون بالضرورة مجهزة لفهم البيانات التي تنتجها أنظمة مراقبة المستخدمين. يقول السيد كروب من شركة “غارتنر” إن شركة واحدة فقط من بين كل ثلاث شركات متوسطة إلى كبيرة لديها فريق تحليلات وعلوم بيانات قادر على تحليل نوع البيانات التي تنتجها هذه الأنظمة.

ومع ذلك، قد لا يكون للموظفين المدركين لزيادة مراقبة كيفية قيامهم بعملهم، الكثير من الخيارات حيال ذلك، لأن المزيد من الشركات تجعل العمل من المنزل مرهونًا بقبول الموظف للمراقبة. يقول السيد باول أن أحد عملاء “برودوسكور” الذي تحول مؤخرًا إلى العمل عن بُعد حدد أن على الموظفين الذين يريدون العمل من المنزل استخدام “برودوسكور”. ويضيف أنه في الشهر الأول وافق 3200 موظف، أي 80% من مستخدمي الشركة.

Share







Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked
Your email address will not be published. Required fields are marked