الواقع الجديد حقيقة لا مفر منها، وحان الوقت لمواكبته

-

سايمون بينيت، الرئيس التنفيذي للتكنولوجيا في منطقة أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا لدى شركة “راك سبيس للتكنولوجيا”

تتصدر النقاشات والمحادثات التي تتناول “الواقع الجديد” وتحاول تفنيد جوانبه المختلفة مشهد الأعمال في المنطقة منذ وقت ليس بالقصير، لدرجة أن هذا المصطلح الجديد أصبح مستهلكاً إلى حد كبير. وأعتقد أننا بلغنا بالفعل مرحلة تخولنا إسقاط صفة “الجديد” عنه والتعامل معه بشكل طبيعي على هذا الأساس، كما تحتاج الشركات لمواكبة هذا الواقع خلال عام 2022 بدلاً من مواصلة استخدامه كذريعة لتبرير أي تغيرات طارئة تطال طريقة ممارستها للأعمال.

ويمكن لهذا أن يشمل كافة الجوانب بدءاً من إعادة هيكلة نماذج العمل في المكتب أو تحسين مكالمات الفيديو بهدف إضفاء المزيد من السلاسة على نماذج العمل الهجينة، وصولاً إلى إعادة تقييم وتيرة التحول الرقمي بحيث تتناسب مع الشكل الحالي للسوق أو تحسين أساليب استخدام التكنولوجيا التي سارعنا جميعاً للاعتماد عليها خلال فترة انتشار الجائحة. ودون أدنى شك، حان الوقت الآن للتعامل بشكل صحيح مع هذا الواقع القديم نسبياً، إذ لم يعد هنالك متسع من الوقت لسماع المزيد من الأعذار.

تحرير الابتكار من قيود المكاتب التقليدية

أصبحت نماذج العمل بدوام كامل جزءاً من الماضي بالنسبة للكثيرين منا اليوم. وفي حال تخلفت الشركات عن تبني نماذج العمل الهجين الذي يوفر قدراً كبيراً من المرونة، فستجد نفسها مضطرة لذلك في المستقبل القريب لضمان قدرتها على التنافس مع نظيراتها في معركة استقطاب أفضل المواهب.

ويقابل ذلك حقيقة مفادها أن معظمنا يرغب بالتفاعل مع الآخرين بشكل مباشر بعد أن افتقدنا هذا التفاعل خلال الفترة الماضية، لذلك ستبقى مسألة العمل في المكتب لبضعة أيام في الأسبوع كحد أقصى تمثل نموذج العمل الطبيعي. ويساعد لقاء الأخرين بشكل شخصي على إعادة تحفيز الابتكار كما أنها تساعدنا على تبادل الأفكار والخواطر العشوائية، وهو أمر يصعب القيام به في المنزل أو من خلف الشاشات.

ويعني هذا أن ذهابنا إلى المكتب لا يكون بغرض العمل بل من أجل التعاون والابتكار، لذلك يجب أن يعكس تصميم المكتب هذا الأمر – فعلى سبيل المثال، لا نحتاج لوجود أعداد كبيرة من المكاتب كي يجلس خلفها الناس.

وعلاوة على ذلك، وبينما تجسّد المرونة الركيزة الأساسية، تنطوي الهيكلية التنظيمية على أهمية بالغة أيضاً. وستحقق الشركات التي تعمد إلى تنسيق حضور الموظفين في المكتب وإعادة هيكلته نجاحاً أكبر بكثير على صعيد تبادل الأفكار على مستوى الشركة. ولا يمكن للشركات أن تعتمد على حدوث هذا الأمر بشكل طبيعي على المدى الطويل.

وتسمح مسألة تنسيق الحضور في المكتب أيضاً للموظفين بالتواصل مع الشركة على نطاق أوسع، بدلاً من مجرد التواصل مع فرقهم التي يتحدثون مع أفرادها على أساس يومي بأي حال. وعلى المدى الطويل، يلعب هذا الأمر دوراً أساسياً في نموهم وتطورهم المهني.

إيجاد الحلول المناسبة لمكالمات الفيديو

تستخدم كل واحدة من الشركات منصة مختلفة لتوفير خدمات مكالمات الفيديو أو التعاون بين الموظفين – سواء كانت تلك المنصة هي “مايكروسوفت تيمز” أو “سلاك” أو “زوم” أو “جوجل ميت”، بالإضافة إلى تلك المنصات التي يوفرها مزودو الخدمة المحليون مثل منصة “كلاود توك ميتنج” من شركة “اتصالات” الإماراتية.

ويعتبر هذا الأمر مقبولاً بالنسبة لأنشطة التعاون الداخلي ضمن الشركة، لكن ماذا سنفعل عندما نحتاج إلى التواصل مع العملاء أو أصحاب المصلحة؟ لقد أصبحنا نعاني من التخبط الناجم عن استخدام مجموعة متعددة من الأدوات يومياً، حيث ننتقل بين منصة وأخرى تؤدي جميعها ذات الوظيفة في المقام الأول.

وغالباً ما يكتسب هذا الأمر طابعاً سخيفاً للغاية، إذ نجد أنفسنا مضطرين لاستخدام ما يصل إلى خمس أدوات مختلفة في يوم واحد من أجل إجراء المحادثات مع العملاء فحسب. كما ينطوي هذا الأمر على الكثير من الإزعاج في معظم الأحيان بالنظر إلى الوقت الإضافي المهدور في محاولة الانضمام إلى المكالمات وكمية الإحباط المصاحبة لذلك.

وفي الحقيقة، لقد حان الوقت لكي نضع حداً لذلك. ويجب أن يحمل عام 2022 أخباراً سارة على صعيد إيجاد حل يمكّن جميع هذه المنصات من التفاعل بسلاسة ويتيح لنا الانضمام إلى المكالمات والاجتماعات مباشرة عبر الخدمة المختارة.

ويشبه الأمر شبكات الهاتف إلى حد كبير، حيث يمكننا الاتصال بأي شخص باستخدام أي جهاز والتواصل معه بكل سلاسة بصرف النظر عن الشبكة التي يستخدمها. وقد حان الوقت لكي تمتلك الشركات القدرة على القيام بذلك.

التحول الرقمي يتمحور حول التجربة لا السرعة

لعب التحول الرقمي دوراً محورياً في استمرارية الأعمال خلال فترة انتشار الجائحة، وأبدت الشركات استعدادها لتحمّل المخاطر المصاحبة لهذا التحول من أجل التأقلم مع تبعات الأزمة.

وبالتالي، ساهم هذا الأمر في زيادة إقبال الشركات على المخاطر، لكنه أدى أيضاً إلى تغيير التوقعات في ضوء إدراك القادة لحقيقة أن التحولات التي كانت تستغرق في السابق شهوراً طويلة بات من الممكن تحقيقها في غضون أسابيع أو حتى أيام قليلة.

ولكن، ندرك تماماً مدى تقلب العملاء وأن تجربة المستخدم باتت تشكل مصدر قلق أكبر مما كانت عليه عندما كان العملاء أكثر تساهلاً خلال فترة تفشي الجائحة عندما يتعلق الأمر بإحداث التغييرات على مستوى الشركة.

وعلى هذا النحو، بدأت الشركات في منطقة الشرق الأوسط تدرك أنه قد يتعين عليها التضحية بجزء من الوتيرة المتسارعة لتحولها الرقمي كي تضمن استمرارها بتقديم مستويات متميزة لتجربة العملاء باعتبار أن هذا الأمر ينطوي على أهمية أكبر في نهاية المطاف.

توقعات “جارتنر”

توقعت مؤسسة “جارتنر” ارتفاع معدلات استخدام منصات خدمات السحابة الأصلية خلال عام 2022، ولكن هذا الأمر كان بالفعل يجسّد واقعاً ملموساً بالنسبة للشركات في منطقة الشرق الأوسط، حيث سجلت شركات المنطقة زيادة كبيرة في حجم الأعمال المرتبطة بالسحابة الأصلية خلال الأشهر الـ 18 الماضية.

وفي ضوء توفر تكنولوجيا السحابة المتعددة، لا يرغب العملاء في الوقت الراهن بشراء خدمات السحابة من مزود واحد ولن يقوموا بذلك بكل بساطة. وتتمثل أفضل الطرق الكفيلة بتحقيق النجاح في البيئات متعددة الأوساط السحابية وتحقيق أقصى استفادة ممكنة منها في تطوير التطبيقات المحمولة.

وتتمثل الخطوة الأهم الآن بضمان أن تخضع هذه البيئات متعددة الأوساط السحابية للتحسين المستمر وأن تستخدم الشركات المنصات المناسبة في الوقت المناسب وأن تدرك ماهي هذه البيئات. وتعتبر مسألة التعاون مع الشريك المناسب والاستفادة من خبراته أمراً في غاية الأهمية.

الحياد الكربوني

بعد أن تصدر النقاشات الساخنة عبر وسائل الإعلام لبعض الوقت، وجّه مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغيّر المناخ (COP26) دون أدنى شك تركيز الناس على مسؤولياتنا الجماعية إتجاه المناخ. ويكتسب المستهلكون والشركات في منطقة الشرق الأوسط مستويات أعلى من الوعي البيئي، كما أنهم يعتمدون على هذا الوعي الآن في اتخاذ القرارات.

وبالنسبة للمستهلكين، يعني هذا الأمر إلقاء نظرة على مؤهلات الشركات التي يرغبون بشراء منتجاتها، وهو أمر بدأ يؤثر بشكل ملحوظ على القرارات والسلوكيات.

أما بالنسبة للشركات المحلية، ولاسيما تلك التي تعهدت بتحقيق الحياد الكربوني، فهي تعقد آمالها على سلاسل التوريد الخاصة بها لتحقيق هذه الأهداف. وبات هذا الأمر يشكل أحد المتطلبات الأساسية التي يتعين على الشركات تلبيتها، ومن المتوقع أن تزداد أهميته بشكل أكبر خلال العام القادم.

ومن بين الأشياء التي تعلمناها خلال الأشهر الـ 18 الماضية هو أن الوقت هو الشيء الوحيد الذي يمكننا توقعه في هذا العالم. ومع اقترابنا من بداية دورة سنوية جديدة، سيكون الوقت وحده كفيلاً بتحديد ما إن كانت هذه الاتجاهات التي قمنا بمناقشتها ستتبلور على أرض الواقع.

Share







Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked
Your email address will not be published. Required fields are marked