رحلة التحول الرقمي نحو قطاع رعاية صحية يتسم بالترابط والتعاون والسلاسة

-

يُعد قطاع الرعاية الصحية العالمي من أوائل القطاعات التي اعتمدت تسريع التحول الرقمي في مختلف خدماته، لا سيما مع ظهور الأزمة الصحية العالمية التي عززت جهود التحول لتوفير خدمات الرعاية الصحية، حيث يواصل مزودو الخدمات نشاطهم الاستثماري في عمليات التحول الرقمي بهدف تطبيق حلول تساهم في تكامل عملياتهم وإرساء بيئة تعاون سلسة بين فرق الرعاية الصحية. ويُعتبر قطاع الصحة من أسرع القطاعات نمواً في الإمارات، مما يستوجب التفكير في مدى الاستعداد للتحول في ثقافة تقديم الرعاية الصحية.

توفر أنظمة الرعاية الصحية الحالية إمكانات سريرية استثنائية، لكنها تُعتبر غير ضرورية بالنسبة لمعظم المرضى. وتحرص منظومة الرعاية الصحية الجديدة على تعزيز تركيزها على المرضى وتلبية احتياجاتهم ضمن منازلهم ومن خلال أجهزتهم المحمولة ومراكز الرعاية السريرية المادية، مع اعتبار أهمية تقديم الخدمات المناسبة.

وتبرز أهمية معالجة نقاط الخلاف الرئيسية في القطاع مع تزايد مطالبة المرضى بوصول أفضل وأسرع وأكثر ملاءمة لخدمات الرعاية الصحية من خلال القنوات الرقمية، مما يعني العمل على تحقيق مزيد من التقارب بين منظومات التقنيات الاستهلاكية وتوفير خدمات الرعاية الصحية وتمويلها.

التطور المستمر في أدوات الرعاية الصحية الرقمية

شهدنا تطوراً كبيراً في أدوات الرعاية الصحية الرقمية على مدار السنوات الأخيرة، حيث ساهمت أزمة كوفيد-19 في تعزيز التوجه نحو اعتماد خدمات جديدة وانتشارها على نطاق أوسع. وسجلت تطبيقات الرعاية الصحية الاستهلاكية ازدهاراً كبيراً مع زيادة تخصصها بشكل ملموس. وحققت منتجات الرعاية والعلاج الرقمية نمواً مهماً في أعدادها ومعدلات اعتمادها. كما تشهد المؤشرات الحيوية الرقمية والأجهزة القابلة للارتداء استخداماً أوسع في التجارب السريرية وتوفير خدمات الرعاية الصحية، مما يفسح المجال لمراقبة المرضى عن بُعد.

وأظهر تقرير صادر عن شركة ماكنزي أن تمويل رأس المال المغامر لشركات الرعاية الصحية الرقمية بلغ رقماً قياسياً يعادل 29.1 مليار دولار أمريكي في عام 2021، مقارنةً مع 14.9 مليار دولار أمريكي في عام 2020، و8.2 مليار دولار أمريكي في عام 2019. ويشير رأس المال الاستثماري المتنامي في قطاع الرعاية الصحية الرقمية إلى تعزيز الثقة بقدرة أدوات الرعاية الصحية الرقمية على تحقيق نتائج إيجابية حقيقية تعود بالفائدة على المرضى وأنظمة الرعاية الصحية والمستثمرين على حدٍ سواء.

بناء نماذج جديدة لأنظمة الرعاية الصحية الرقمية

تتمتع الأدوات الرقمية وما توفره من نماذج جديدة للرعاية الصحية بالقدرة على تحقيق مكانة مهمة لجميع الجهات المعنية، ولكنّ تسريع اعتمادها يستلزم أخذ عدة جوانب بالاعتبار.

وتعتمد الكثير من هذه الجوانب على مدى إدراك المرضى لخدمات الرعاية الصحية الرقمية وقيمتها وتأثيرها، بالإضافة إلى أهمية تقديم التدريب المناسب للأطباء ومقدمي خدمات الرعاية الصحية حول استخدامات التقنيات الحديثة وفوائدها. ويتوجب على شركات التأمين النظر في وضع تصميمٍ جديدٍ لهذه الفوائد بما يدعم تقديم خدمات الرعاية الصحية عن بُعد، فضلاً عن توفير سياسات سداد جديدة وتطوير تدابير دفع مبتكرة ومعتمدة على القيمة، بهدف تعزيز اعتماد نماذج الرعاية الجديدة.

ويمكن أن يؤدي تطوير منظومة من الشركاء، بمن فيهم مقدمي الرعاية الصحية وشركات التكنولوجيا، إلى دعم النماذج الجديدة للرعاية الصحية والخدمات الرقمية بشكل فعال.

رؤية التحول الرقمي في الإمارات لبناء منظومة رعاية صحية موحّدة ومترابطة

تتميز الإمارات ببيئةٍ مواتيةٍ لتطوير هذه المنظومة، حيث قطعت الدولة أشواطاً كبيرةً في مسيرة الابتكار ضمن قطاع الرعاية الصحية على مدار العقد الماضي.  وسعت الهيئات الحكومية وجهات الرعاية الصحية في الدولة منذ سنوات لتحقيق مزيدٍ من التكامل بين البيانات والأنظمة ودمجها في منظومة مترابطة واحدة، بهدف تحسين خدمات رعاية المرضى وتبسيطها ورفع كفاءة الخدمات الطبية.

وعلى سبيل المثال، تُعد منصة ملفّي، التي تأسست قبل خمسة أعوام بموجب شراكة بين دائرة الصحة – أبوظبي وشركة إنجازات، أول منصة لتبادل المعلومات الصحية في المنطقة، حيث ترتبط جميع مشافي أبوظبي اليوم بالمنصة التي تطورت على مدار سنوات وأصبحت حالياً تعتمد على تقنيات تحليل الذكاء الاصطناعي، مثل التعلم الآلي لبناء نماذج تنبؤية بالاستناد إلى البيانات والخوارزميات السريرية، مما يسهم بتعزيز استجابة الإمارة لحالات الطوارئ وضمان استمرارية تقديم خدمات الرعاية الصحية.  

مستقبل قطاع الرعاية الصحية الرقمية يعتمد على التعاون بين منظوماته

يتجه مستقبل خدمات الصحة الرقمية نحو مزيد من الترابط، إلى جانب ظهور نظام رعاية صحية هجين يسهل الوصول إليه، مدعوماً بمجموعةٍ من الرؤى والأفكار الأساسية والبيانات التي تعزز التعاون في مجال الرعاية الصحية على امتداد رحلة المرضى.  ونستشرف في شركة إنجازات تحقيق هذه النقلة المهمة في المستقبل القريب، إذ يمكن تعزيز التواصل والتفاعل بين المرضى والجهات المعنية في القطاع بالاستفادة من منصة ملفي وغيرها من المنصات. كما نتوقع تحقيق مزيدٍ من التكامل بين البيانات ودمجها في منظومة مترابطة واحدة، بهدف تسهيل تواصل المرضى مع شركات الرعاية الصحية ورفع كفاءة الخدمات الطبية.

ويمكن التأكيد في النهاية على ضرورة تعزيز تعاون الجهات الشريكة في منظومة الرعاية الصحية، وأهمية تكوين شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا أو غيرها من مرافق الرعاية الصحية لتقديم التقنيات الرقمية الجديدة. 

كما يجب وضع استراتيجيات راسخة وناجحة لرحلة التحول الرقمي في قطاع الرعاية الصحية، من شأنها رسم رؤية واضحة، وتحقيق الجاهزية الكافية، إضافة إلى التمسك بالأولويات، ومواجهة التبعات المحتملة، فضلاً عن تصميم نماذج التشغيل والتمويل، واختيار التقنيات الملائمة والشركاء المناسبين.  ويشكّل نموذج التعاون هذا نهجاً يوفر حلولاً تركز على المرضى واحتياجاتهم لتوفير أعلى معايير الرعاية لهم.

الدكتور زياد أرناؤوط، نائب الرئيس الأول لشؤون الرعاية الصحية الرقمية في شركة إنجازات.

Share







Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked
Your email address will not be published. Required fields are marked