النموذج المصري | انعكاسات التحول الرقمي على النمو في الشرق الأوسط

-

تقرير أحمد شرف

شهد التحول الرقمي خلال الفترة الماضية تطورات هائلة، يواصل بوتيرة متسارعة في بيئة الأعمال، في وقت أصبح فيه امتلاك التكنولوجيا الرقمية المتقدمة أمرًا حيوياً، بات أداة تمكين وجسرا يربط الحاضر بالمستقبل

يُعرّف التحول الرقمي بأنه دمج التقنيات الرقمية في جميع مجالات الأعمال التجارية، وتحسين العمليات وإنشاء عمليات تشغيل جديدة وتقديم قيمة أكبرللعملاء حيث إنه يمثل تحولًا ثقافيًا إلى طرق أكثرمرونة وذكاء لممارسة الأعمال

بنظرة على الوضع الراهن نجد أن التحولات الرقمية لن تكون عنصراً اختيارياً، فمتطلبات هذا العصر المرتكز على التقنيات وتعزيزها بشتى المجالات قد فرضته على كافة المؤسسات الحديثة بمختلف القطاعات، وباتت استراتيجية التحول الرقمي هي جزء أساسي منها

من المتوقع أن يصل الإنفاق على التحول الرقمي بنهاية هذا العام إلى 1.8 تريليون دولار أمريكي، وبحلول عام 2025 هناك تقديرات بارتفاع الإنفاق على التحول الرقمي العالمي إلى 2.8 تريليون دولار أمريكي بحسب “statista”

أشار البنك الدولي في تقرير جديد له أن اعتماد التقنيات الرقمية في بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من شأنه أن يحقق منافع إجتماعية وإقتصادية هائلة تصل قيمتها إلى مئات المليارات من الدولارات سنوياً، وطفرة تشتد الحاجة إليها في الوظائف الجديدة

بحسب احدث التقديرات يساهم القطاع الرقمي بحوالي 5.4 في المائة من الناتج المحلي في منطقة الشرق الأوسط، مع هذا الحجم من المساهمة ودور القطاع في رفع الكفاءة، سيكون النمو أكبر في الفترة المقبلة

يؤدي اعتماد التكنولوجيا الرقمية إلى تسريع وتيرة النمو وخلق فرص العمل، إن الاستخدام واسع النطاق لها، من شأنه أن يعزز النمو الاقتصادي ويؤكد التقرير أن أحد الأسباب الرئيسية لتعزيزالنمو يرجع إلى أن التقنيات الرقمية التي تساعدعلى خفض التكلفة المرتفعة للمعلومات وتقيد المعاملات الاقتصادية

وتشير التقديرات الواردة في التقريرإلى أن الرقمنة الكاملة للاقتصاد يمكن أن ترفع نصيب الفرد من إجمالي الناتج المحلي بنسبة لا تقل عن 46% على مدى 30 عاماً

مبادرات التحول في دول الشرق الاوسط

تقف منطقة الشرق الأوسط في الوقت الراهن على عتبة مرحلة محورية من التحول الرقمي الهائل فقد تضاعف معدل تدفق البيانات عبر الحدود التي تربط الشرق الأوسط ببقية دول العالم خلال العقد الماضي بما يتجاوز 150 ضعفًا، حيث تشهد المنطقة تحولًا رقميًا غير مسبوق حيث تتبنى الحكومات في جميع أنحاء المنطقة التقنيات الناشئة، لا سيما في مجال الحوكمة، والإدارة المالية استراتيجيات تكنولوجيا المعلومات والاتصالات

من هذه المبادرات « رؤية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2030» في مصر، حيث تهدف إلى تطويرمجتمع قائم على المعرفة من خلال اقتصاد رقمي قوي مبني على وصول موثوق به وبأسعار معقولة، وفي الامارات من خلال مبادرات «الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية لدولة الإمارات 2025» و«الجيل التالي من الاستثمارات الأجنبية 300 شركة رقمية »، وهي تأتي في أعقاب مبادرات وخطوات أخرى عديدة تُظهر جميعها السعي المتواصل من الإمارات لبناء اقتصاد مستقبلي يعتمد بالأساس على التقنية، وفي السياق ذاته أطلقت المملكة العربية السعودية «استراتيجية في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في  2023 »، و«الإطار التنظيمي للحكومة الإلكترونية وتطويرهيئة الحكومة الرقمية» و«الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي » وغيرها من المبادرات فى المنطقة

يصل انفاق حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على تقنية المعلومات إلى حد 13.3 مليار دولار خلال 2022، أي بزيادة 1.8% مقارنةً بالعام 2021، وفي السياق نفسه من المتوقع نمو إنفاق الحكومات حول العالم على تقنية المعلومات إلى 565.7 مليار دولار في 2022، أي بزيادة 5% مقارنة بالعام 2021 بحسب “ماكنزي”

التحول الرقمى في مصر

يوفر التحول الرقمي لمصر فرصة فريدة لتحويل العديد من القطاعات الاقتصادية مثل الخدمات المالية وتجارة التجزئة والرعاية الصحية والزراعة والتصنيع مع خلق فرص للأفراد والشركات والتأثير على التنمية الشاملة والنمو الاقتصادي في حين أن الرقمنة يمكن أن تحدث فرقًا كبيرًا في الاقتصاد، يجب أن تكون مدعومة بالبنية التحتية التكنولوجية المطلوبة، ورأس المال البشري، والبيئات القانونية والتنظيمية المناسبة وغيرها من البيئات التمكينية بحيث يصبح التحول الرقمي منصة للإنصاف والتمكين  

قطعت مصر خطوات مهمة لتعزيزتحولها الرقمي نظرًا لكونها سوقًا ناشئة هائلة تتمتع بإمكانية تعزيز اقتصادها من خلال الاستفادة الكاملة من التقنيات الرقمية

حرصت الدولة على زيادة الاستثمارات العامة في قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وقد بلغ خلال السنوات السبع الماضية في مجال التحول الرقمي 72.4 مليار جنيه، أي ما يعادل 4.3 مليار دولار، بنسبة زيادة قدرها 400% بين العام المالي 2020/2019 وعام 2022/21، وذلك في ضوء التطورات العالمية الأخيرة، وأبرزها جائحة كورونا.

إلى جانب هذه التطورات، صاغت وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في مصر استراتيجية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات 2030 واستراتيجية مصر الرقمية حيث ترتكز الخطة على ثلاث ركائز – المهارات والوظائف الرقمية، والتحول الرقمي، والابتكار الرقمي

يقول الدكتور محمد عزام الامين العام المساعد للمجلس العربي للمسؤولية المجتمعية وخبير التحول الرقمي “أن استخدام التكنولوجيا وحلول التحول الرقمي يرفع من مؤشرات مصر على سلم التنافسية، ستكون الدولة قادرة على جذب مزيدًا من الاستثمارات واطلاق المشروعات وإتاحة فرص التشغيل

اضاف عزام انه وفقا لتقرير البنك الدولي الصادر عن تكنولوجيا الحكومات في نهاية 2021 أصبحت مصر من أكثر الدول التي تتبني حلول واستراتيجية الحكومة الالكترونية، وانها تسير بخطى متسارعة نحو التحول الرقمي الشامل عن طريق التكامل بين وزارة الاتصالات وباقي الوزارات والهيئات لتعزيزهذا الملف

واوضح ان مصر حققت نتائج ملموسة في اتجاه التحول الرقمي وتعزيز موقعها طبقا لمؤشرات معامل الثقة الرقمى للخدمات المقدمة للمواطن 

انعكاسات التحول الرقمى على النمو الاقتصادي والاجتماعي

تسعى التحولات الرقمية إلى تحقيق هدف رئيسي وهو رقمنة المنتجات والخدمات واستكشاف نماذج أعمال جديدة وخلق طرق جديدة لبناءعلاقات قوية مع العملاء وتعزيزتحليلات الأعمال لتحسين عملية صنع القرار أو استخدام التكنولوجيا بشكل خلاق لتحسين الأداء التشغيلي

في ضوء ذلك، تقود وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات المصرية هذه الخطوة من خلال إستراتيجيتها للتحول الرقمي، تخطط الحكومة المصرية لإطلاق 550 خدمة إلكترونية بحلول عام 2023، الهدف منها هو تسريع التحول الرقمي وتمكين المواطنين من خلال تقديم خدمات عامة سريعة، حيث تعمل الدولة على تطوير بيئة فعالة تعتمد على التكنولوجيا واقتصاد المعرفة

استثمرت مصر 1.9 مليار دولار أمريكي لتطويرالبنية التحتية الرقمية للمعلومات وإنشاء مجمعات الابتكار التكنولوجي في المحافظات، توفر هذه البيئة المؤهلة فرصة عمل لا مثيل لها

الشركات الناشئة محرك رئيسي للتحول الرقمي

في سوق سريع التطور، تمكنت الشركات الناشئة من ترك بصماتها على خريطة رأس المال الجريء خلال العام الماضي من خلال تحقيق رقم قياسي من الاستثمارات تعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هدف رئيسي للشركات التقنية الناشئة، ذلك أن المنطقة تضم مجتمعاً من الشباب قوامه نحو 200 مليون نسمة، يُنظر إليهم باعتبارهم مساهمين رئيسيين في موجة التغيير التقني التي تشهدها المنطقة».

“نمت القيمة الإجمالية للصفقات في عام 2021 بأكثر من ثلاثة أضعاف، مدفوعة بارتفاع تبني التكنولوجيا في مختلف قطاعات الأعمال، فضلًا عن زيادة التشريعات المساهمة في التطور بكل من مصر والإمارات والسعودية”؛ خاصة مع وصول قيمة الاستثمارات إلى 2.89 مليار دولار أمريكي في 2021

وشهد القطاع خلال 2021 نمو عدد الصفقات في الشركات الناشئة خلال المراحل المبكرة بنحو الضعف بواقع 314 صفقة بحسب تقرير “للموجز الرقمي”

 في مصر تضاعف المستثمرون الذين يدعمون الشركات الناشئة تقريبًا بين عامي 2020 و2021، في حين كانت مصر الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا التي سجلت زيادة في نسبة صفقات المرحلة المبكرة

حقق رأس المال الاستثماري المصري نموًا بنسبة 168٪ على أساس سنوي في الاستثمار الرأسمالي ليقترب من 500 مليون دولار أمريكي في عام 2021 في عام استثنائي لمشاركة المستثمرين

مستقبل واعد للقطاع الرقمي

مما لا شك فيه أن للقطاع الرقمي مستقبل واعد، فحماسة الأفراد تجاه استخدام الوسائل الرقمية تشير إلى إمكانية تحقيق معدلات نمو قوية في المستقبل القريب، وذلك في ظل الاستعداد الجلي من جانب هؤلاء الأفراد لاحتضان المنتجات الرقمية الجديدة وعلى هذا الأساس، يتعين على قادة المنطقة تطوير البنية التحتية لتحسين المعروض من منتجات تقنية المعلومات والاتصالات وتعزيز الابتكارات

أكدت معظم شركات الاستشارات والأبحاث على أهمية التحول الرقمي لذلك في السنوات القليلة المقبلة، من المحتمل جدًا أن تخصص الشركات المزيد من الاستثمارات في الذكاء الاصطناعي والواقع المعززوالواقع الافتراضي وإنترنت الأشياء وغيرها من التقنيات الناشئة

وفقًا للمنتدى الاقتصادي العالمي، ستتم إضافة 100 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي من خلال التحول الرقمي بحلول عام 2025، من المرجح أيضًا أن تتعامل المؤسسات الناضجة رقميًا مع التحول الرقمي بشكل استراتيجي وتضع التحول الرقمي في قلب استراتيجيتها

وفقاً للتحاليل الأخيرة، من المرجح أن تواصل الحكومات في المنطقة زيادة إنفاقها على جهود التحول الرقمي خلال العام 2022 حيث سيركزون جهودهم للارتقاء بالخدمات العامة وتأمين المرونة والقدرة والاستجابة للعملاء

تحديات

على الرغم من استعداد الأفراد لاحتضان واستخدام الوسائل الرقمية في شتى جوانب الحياة، فإن الشركات والحكومات لم تغتنم فرصة التحول الرقمي بشكل كامل حتى الآن رغم التطلعات الحكومية الطموحة تجاه التحول الرقمي، فإن 6% فقط من منطقة الشرق الأوسط تطبق أنظمة الحكومة الذكية الرقمية، وهذا بدوره يؤكد على المكانة المتأخرة التي تحتلها المنطقة بالمقارنة مع الدول المتقدمة في مجال التحول الرقمي في قطاع الأعمال بحسب “مؤشر ماكنزي للتحول الرقمي في الشرق الأوسط”

يرى الدكتور محمد خليف استشاري الابتكار والتحول الرقمي “ان من أبرز التحديات التى تعيق تحقيق التحول الرقمي عدم وجود استراتيجية واضحة ومستدامة للتحول الرقمي علاوة على غياب اللوائح التنظيمية التي تجعل التحول الرقمي أكثر تنسيقاً وتكاملاً

إضافة الى تراجع التمويل في ظل الازمة الاقتصادية وقلة المواهب، والكفاءات القادرة علي صناعة التحول الرقمي والاستفاده منه وصناعة الحلول الرقمية القادرة على تحويل المؤسسات من اليدوية للرقمية، ومن الرقمية للتحول للرقمي الشامل القائم على الذكاء الاصطناعي وإنترنت الاشياء، أما نشر الثقافة الرقمية مازال يحتاج الى تدريب وتوعية كبيرة ليتم تنفيذه على أرض الواقع

وأشار إلي أن الهجمات السيبرانية احد أبرز العوائق لتحقيق ذلك، والتي تحتاج لجهود كبيرة لمواجهتها، بالإضافة الى الإنفاق على البنية التحتية المعلوماتية، وفتح اسواق جديدة فى المنطقة لزيادة المنافسة

مضيفا أن الافتقار إلى الثقة المجتمعية في المؤسسات الحكومية والمؤسسية، هي من بين الأسباب المحتملة لهذا التحفظ في استخدام التكنولوجيا الرقمية

Share







Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked
Your email address will not be published. Required fields are marked