القوى العاملة الماهرة – الركيزة الأساسية للإدارة الفعالة للرقابة الداخلية

-

بقلم أحمد مخلاتي
مدير العمليات في الشرق الأوسط وأفريقيا والهند لدى معهد المحاسبين الإداريين.

لقد أدى التحول الرقمي إلى تغيير جذري في أنماط عمل الشركات، إذ نشهد الآن زيادة متسارعة في استخدام قدرات الحوسبة والإنترنت، مما أدى إلى تعزيز إنتاجية المؤسسات وتحسين مرونة القوى العاملة. وقد مكنت القدرة على العمل عن بعد الموظفين من البقاء على تواصل مع شركاتهم وأتاحت للهيئات والمؤسسات سبل التعاون العالمي. ولكن في حين أن الاستخدام المتزايد للعوامل التمكينية الرقمية يعزز الطريقة التي يخدم بها مديرو الأعمال عملائهم، فإنه في نفس الوقت يضع تحديات معقدة على العمليات التنظيمية الأساسية، لا سيما عندما يتعلق الأمر بالسياسات وإجراءات الرقابة.

فعلى سبيل المثال، أدى التحول الرقمي إلى تحول كامل في ثقافة العمل، متيحاً الاستخدام المكثف للحلول المستندة إلى السحابة والذكاء الاصطناعي وما شابه ذلك، مما يستلزم أن تكون أطر الرقابة الداخلية مرنة وقابلة للتكيف. ومع ذلك، هناك مقاومة ملحوظة تجاه العصر الجديد للرقابة الداخلية التي تشمل إدارة المخاطر والمراقبة المستمرة في الوقت الفعلي والأتمتة. وهذا يستدعي وجود إطار تحكم سريع الاستجابة وقيادة رشيقة تناسب بيئة الأعمال الآخذة في الاتساع. كما يسلط الضوء على حاجة الشركات إلى توظيف القوى العاملة الماهرة والاحتفاظ بها لدعم الحوكمة الفعالة للشركات دون عوائق.

كيف أثر التحول الرقمي على الرقابة الداخلية

وفقاً لاستطلاع بعنوان “الرقابة الداخلية وتحول الهيئات”، والذي قيّم مدى تأثير التحول الرقمي على الرقابة الداخلية، أكد ما لا يقل عن 50% من المشاركين أن ندرة الموظفين ذوي المهارات المناسبة المشاركين في إجراءات الرقابة الداخلية يمثل تحدٍ كبيراً. هذا وأظهر الاستطلاع الذي تم إجراؤه مع 2000 عضو عالمي في جمعية المحاسبين القانونيين المعتمدين ومؤسسة التدقيق الداخلي ومعهد المحاسبين الإداريين بعض النتائج الرئيسية. من بين المشاركين، ألقى 41% باللوم على غياب التقدم التكنولوجي في وظيفة الرقابة الداخلية، وقال 32% بأن الافتقار إلى التركيز من المسؤولين التنفيذيين كان مسؤولاً عن التأثير على إدارة الرقابة الداخلية. وأشار الرأي العام للمستجيبين إلى أن التحديات التي تواجه الرقابة الداخلية نشأت في الغالب أثناء الجائحة التي أدت إلى نشوء بيئة اقتصادية مضطربة تحيط بها الشكوك. كما شدد الاستطلاع على أن الموظفين المشاركين في إدارة الرقابة الداخلية يحتاجون إلى المهارات المناسبة للمضي قدماً.

إدراج الرقابة الداخلية في مرحلة مبكرة أثناء التحول الرقمي هو أمر أساسي

تعتبر الرقابة الداخلية أساسية لأداء المنظمة ونموها وصلتها بالسوق. وفضلاً عن تحقيق متطلبات الامتثال القانوني، فهي تساعد الشركات على بناء الثقة والسمعة الحسنة في تحقيق نتائج استراتيجية للشركات. وتشتمل على العمليات التي يستخدمها المتخصصون في التمويل لمنع الاحتيال المالي وأخطاء المعاملات والتأكد بشكل أساسي من أن الشركة تعمل بشكل فعال. يعتبر الجمع السليم بين الأشخاص والعمليات والتكنولوجيا والبيانات أمراً أساسياً لتحقيق الرقابة الداخلية الفعالة.

مع تسريع اعتماد التكنولوجيا والبيانات عبر مختلف القطاعات، فإن وجود نطاق واسع من أنواع المهارات على جميع المستويات في المنظمة هو أمر مرغوب فيه لتحقيق الرقابة الداخلية الفعالة وبالتالي تحقيق الأهداف المهمة، لا سيما في الأوقات المضطربة المحاطة بالشكوك. وفي بيئة الأعمال الآخذة في التوسع اليوم، من الضروري أيضاً أن تكون أطر الرقابة الداخلية مرنة وجاهزة للعمليات المستدامة في المستقبل مع الاعتماد السريع للتقدم التكنولوجي. ومن الضروري أيضاً تضمين أطر وعمليات الرقابة الداخلية في مرحلة مبكرة من عمليات التحول في الشركات، إذ سيؤدي ذلك إلى تعزيز الأعمال فضلاً عن تحقيق القيمة للمساهمين، لا سيما في المنظمات ذات الأطراف المعنية المتعددة.

تأتي البيانات اليوم من مصادر متنوعة وهي أقل تنظيماً، مما يعتبر مصدر قلق كبيراً للمؤسسات التي تراقب احتيال البيانات ومخاطر التهديد بجدية. ولمعالجة هذا الأمر، تحتاج الكيانات إلى الاستثمار بشكل كبير في التكنولوجيا ومهارات البيانات في وقت واحد، خاصة بالنسبة لأولئك المشاركين في الرقابة الداخلية، والبحث عن فرص التعلم المناسبة وتنظيمها في المجالات الفنية والاجتماعية لدعم القوى العاملة في جميع المجالات. ويجب عليهم أيضاً إدراك الحاجة إلى دمج العناصر غير المالية في الرقابة الداخلية، وهذا لأن ما يهم الأطراف المعنية اليوم – فضلاً عن الأهداف المالية – هو الإفصاحات غير المالية مثل الإجراءات المرتبطة بالتغير المناخي ورأس المال البشري، والتي من شأنها توسيع نطاق الأداء وتعزيز الثقة.

إقرار الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة لتحقيق أعلى مستويات الشفافية وبناء الثقة

هذا ما يؤكده الاستطلاع مرة أخرى، حيث صوتت فيه أغلبية هائلة (80% من المشاركين) لصالح الإفصاحات غير المالية والبيئية والاجتماعية والحوكمة لتحقيق إطار الرقابة الداخلية لديهم. وتضع معايير الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة أعلى مستوى من الشفافية بجمعها بين البيانات والإفصاحات المناسبة مما يؤدي إلى إصدار تقارير مالية أوضح وتعزيز الثقة. ومع تزايد مطالب الإفصاحات المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، تبرز الحاجة إلى وضع سياسة لمثل هذه الإفصاحات، وهي ضمن اختصاص الرقابة الداخلية.

للوفاء بالرقابة الداخلية على نطاق أوسع، يتحتم أن تتوافر أنواع من المهارات الراسخة لتحقيق الأهداف. ومن المهم للخبراء المتمرسين في المحاسبة والتمويل والتدقيق الداخلي أن يدركوا الإمكانات التي تتيحها التكنولوجيا والتي يمكن دمجها في العمليات لتحسين وتعزيز العمل. يجب أن يحافظ هؤلاء المهنيون على صلتهم بالقطاع من خلال المؤهلات المناسبة والتعلم المستمر حتى يتمكنوا من تمكين صنّاع القرار من تلبية احتياجات الحوكمة المؤسسية وتوجيه الشركات والأطراف المعنية إلى عصر جديد من الرقابة الداخلية.

Share







Leave a reply

Your email address will not be published. Required fields are marked
Your email address will not be published. Required fields are marked